أسامة كامل

11-11-2021

وعلّم آدم الأسماء كلها

وعي المعنى يُمكنك من إدراكه، ولكن إطلاق مسمًا يَحوي المعنى وينقله لغيرك يُمكنك من نشره وفرضه واستعماله وخسارته وتجاوزه لغيره وغيرك.

خلق الله الإنسان على أحسن صورة “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ”، ثم خلق له الكون مسخرًا “وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ”، ثم آتاه الأسماء “وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا”.

إننا حين نستعمل موهبة الله في تسمية المعاني تجعلنا نستعير قدرته على التأثير والتأسيس وإنفاذ الإرادة -بإذنه تعالى-، وهي خلافة الله في الأرض، فالخليفة له جسم فاعل وقلب قادر بما أسماه وحصره في قالب مجرد قابل للنقل والفعل والتأثير والتعبير. القدرة على التسمية هي ما علّمنا كل ما نعلم، فذاكرة الإنسان قاصرة مؤقتة، تتعرض للتشويش والتلف والضياع، فقط المعاني التي يراها عقله وتسميها موهبته هي ما يَبقى أبقى منه وعقله.

وعينا لما أسمياه وسماه الآخرين يرفعنا بقدر ما علمنا إلى خالق المعنى وواهب إدراكه، ويثبت لنا أننا لسنا مصدره ولا أهل لإنشائه إبتداءً. فكأن الله أودع فينا ما يعرفنا به، خلقنا مؤمنين به مدركين لوجوده وجوده وعظمته ورفعته وتجاوزه وقدرته.

لن تنكره -سبحانه وتعالى- إلا وأنت ظالم لنفسك، كافر لما فيك وحولك، مجرم اجتمعت فيه كل النقائص والخبائث، يا معشر القادرين على التسمية، ما تسمون الكافر إلا كافر. الأسماء لذاتها والمعاني لمعناها ليس لهما قيمة نهائية، وإنما هي مظهر مؤقت ينعكس عن روح صاحبها ليفضح حقيقته بموقفه منها، هي مظاهر أظهرها الله لإستخراج سرائر أنفسنا ومكنونات أرواحنا.

كل شئ خلقه الله للهلاك، فلا شئ إلا الله، ولما يسمي الإنسان ما أدركه بما يهواه، وينقل أثره إلى غيره ويتعداه، فهو يجعل من وعيه شيئًا أكبر مما وعاه، هذا الكبر والتكبر هو أصل فساد الإنسان، فأنت حين سميت الأشياء واستعملت الأسماء قد وعيت قدرك وأدركت عجزك ورأيت ضعفك ثم تكبرت على خلقك وعدوت قدرك وأنكرت مجدك وأهلكت سعيك فلا تلومن إلا نفسك.

فلا قدرة إلا للقادر، ولا علم إلا للعليم، ولا ملك إلا للمالك، ولا يزيغ عنها إلا هالك، ولا إله إلا الله.